غزة وقطع النفط

في حالات الأزمات الشديدة، يتجلى الحاجة إلى دور المثقفين في إيجاد الحلول، ويظهر أيضًا دور الجاهلين الذين يُهيمن عليهم العاطفة والجهل. هذه طبيعة إنسانية في المجتمعات التي لا يمكن تجنبها، ولكنها يمكن استشعارها من خلال التوعية وزيادة مستوى العقلانية في المجتمعات.

في الوضع الراهن في غزة ، يعيش إخواننا الفلسطينيون تحت ضغط قتل وتهجير لا يمتلك رحمة ، مما يجعل الروح الإنسانية تعاني من ضغوط شديدة تجاه معاناة مريرة وتجد نفسها عاجزة عن التصرف ، مما يقتصر دور المواطنين على الدعاء ودعوات المسؤولين لوقف العدوان والتصعيد ووقف قتل وتشريد الشعب والضغط لإيجاد حلول لهذه الأزمة لإنهاء المعاناة ، بينما يلعب الإعلام دور العدسة التي تسلط الضوء على الأحداث ، فبعضه يلعب دوره بمهنية عالية وبعضه الآخر يتجاوزه بناءً على الانحياز ، وهو ما حدث في بعض وسائل الإعلام الغربية التي حاولت ترويج العدوان الإسرائيلي وتبريره وتجاهل الجرائم الحربية المرتكبة ضد سكان غزة الأبرياء!

فيما يتعلق بالأشخاص العاطفيين ، وبخاصة جمهور داعمي الشعارات العربية ، فإنهم كالمعتاد يطلقون الانتقادات في كل الاتجاهات تجاه الدول العربية وخاصة الدول الخليجية بسبب فشلها في مساعدة سكان غزة. كأن إرسال الجيوش العربية إلى غزة يمكن أن يتم بسهولة ، وهم ضحايا لجهلهم بتوازنات القوى العالمية ومشاعر الكراهية التي يحملونها تجاه بعض الدول الخليجية ، مما يجعلهم يتوجهون بالانتقادات والهجمات نحو تلك الدول للتخفيف عن غضبهم.

لافت للانتباه أنه يوجه سيل الانتقادات المشفوعة بالشتائم نحو الدول العربية والخليجية، في حين يستبعد حكومات الدول والميليشيات والأحزاب المناهضة التي تمتلك الحدود المشتركة والصواريخ العابرة، ويبدو أنها لا تستهدف سوى العرب في العراق وسوريا واليمن ولبنان!

وجهت بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة من بعض شعوب الدول التي تملك علاقات سياسية واقتصادية بإسرائيل، دعوات لقطع النفط، ولكن كان من الأفضل بالنسبة لهم أن يدعوا لإلغاء اتفاقيات الغاز وعبور الأجواء وإغلاق قناة السويس، قبل أن يدعون دول الخليج لقطع النفط، وجميع هذه الدعوات ليست مدروسة جيداً ولم تلق تفاعلًا من الحكومات نظرًا لإدراكها للعواقب الاقتصادية والسياسية المترتبة عليها.

لافت للانتباه أن بعض النواب الحاليين والسابقين في البرلمان الكويتي يعيدون طلب قطع إنتاج النفط، وهؤلاء هم نفسهم الذين يطالبون حكومتهم باتخاذ قرارات شعبوية مثل إعفاء الديون وزيادة الرواتب وتعزيز الامتيازات ورفض فرض الضرائب. كما لو أن المال يتساقط من السماء وليس من مبيعات النفط!

عندما لوح أحدهم باستجواب وزير الخارجية في حال قبول أوراق اعتماد السفيرة الأمريكية، في نفس الوقت الذي تشتعل فيه أزمة الحدود وميناء خور عبدالله مع الجار الشمالي، وكأنه لم يدرك تماماً أحداث التاريخ وأين تتواجد مصلحة بلاده!

في الأزمات الكبرى، يجب على المجتمعات أن تعتمد على أفكار العقلاء لإيجاد الحلول، بدلاً من الاعتماد على الشعارات الفارغة والخطب الجوفاء.

نقلاً عن “عكاظ”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.